أصوات سلام في زمن الحرب.. إسرائيليون فقدوا أحبابهم يطالبون بحل الدولتين
أصوات سلام في زمن الحرب.. إسرائيليون فقدوا أحبابهم يطالبون بحل الدولتين
حين جلس إينون ماعوز إلى طاولة ذكرياته عن والديه، لم يَختر طريق الانتقام الذي قد يبدو بديهيًا لمن فقد الأحبة خاصة في أحداث عنف تدور بشراسة مجسدة في الحرب على غزة، فالرجل الذي فقد والدَيه في هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، اختار أن يرفع صوتا لا يدعو إلى المزيد من الدماء، بل يدعو إلى مصالحة يراها دواءً لجراح لا تندمل إلا بجرعة من الاعتراف والعدالة والتعايش.
إينون، 49 عاما، هو واحد من آلاف الإسرائيليين الذين تحول حزنهم الشخصي إلى مطلب عام يتمثل في الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية كخطوة نحو أمن متبادل بحسب فرانس برس، هو ناشط في قطاع السياحة منذ عشرين عاما، وعضو فاعل في مبادرات سلام، يرى أن دائرة العنف لن تتوقف بالانتقام، بل ستتوسع لتأكل جيلاً بعد جيل، وكلماته تختزل حجم الألم: "بالانتقام للموتى لن نعيدهم إلى الحياة، بل نؤجج فقط دوامة عنف وإراقة دماء نحن عالقون فيها ليس منذ السابع من أكتوبر، بل منذ قرن من الزمن".
موجة مدنية أوسع
رأي إينون تقف وراءه موجة مدنية أوسع، عرِضت عريضة بعنوان "لا للحرب - نعم للاعتراف" ووقّعها حتى الآن أكثر من ثمانية آلاف إسرائيلي، مع هدف تقديمها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي قد تشهد إعلان اعترافات رسمية بدولة فلسطين من عدد من الدول الغربية، وبالنسبة للمنظمين، الاعتراف ليس إنكاراً لإسرائيل، بل بوابة لمستقبل أكثر أماناً للطرفين، يرى فيه الموقعون أن الاعتراف المتبادل يمثل أساساً للتعايش والاستقرار.
أصوات مثل إينون ليست منقطعة عن واقع الألم؛ هي مزيج من الأسى والرصانة، وفي السياق يتذكر يوناتان زيغن، الذي فقد والدته الناشطة فيفينا سيلفر، اللحظات الأخيرة عبر الهاتف، ومع ذلك يقول "إن إحساسه بالعجز حوّله إلى مسؤولية ألا يدفع أي شعب ثمناً لإرهاب أو انتقام آخر"، مثل هؤلاء يؤكدون أن الحرمان من الحق في تقرير المصير يؤدي حتما إلى عنف متكرر، وأن أمن الإسرائيليين مرتبط بتحرر الفلسطينيين من حالات الاضطهاد والتمييز.
الحملة المدنية التي تُعرف بحركة "زَزيم حراك شعبي" خرجت بشعارات على لوحات وملصقات في تل أبيب، وتحثّ قادة العالم على فعلٍ جريء: الاعتراف بدولة فلسطينية الآن، كإشارة رمزية ومادية لوقف نزع الصفة الإنسانية عن سكان غزة ولإعطاء الفلسطينيين صفة الدولانية التي تفتح أمامهم سبل الحماية الدولية والحقوقية، والمشاركون في الحركة يؤكدون أن الاعتراف يجب أن يقترن بخطط عملية: ضمان أمن مشترك، عقوبات بحق من يعطل الحل، وحوافز اقتصادية واستثمارية تبين أن السلام سيولد ثماراً ملموسة من ازدهار واستقرار.
الموقف الرسمي
الموقف الرسمي في إسرائيل مختلف وجلي، فرئيس الوزراء يؤكد رفضه قيام دولة فلسطينية، ويجعل من خطاب الاعتراف مطلبًا مدنيًا غير مألوف بالنسبة لغالبية السياسات الحكومية، ومع ذلك، يجد الداعمون المدنيون ثقة في أن التحولات الكبرى في التاريخ السياسي بدأت من مبادرات مجتمعية بسيطة، ويذكرون أمثلة أوروبا بعد الحروب التي لم تكن ممكنة لولا قرار جماعي بالمصالحة والتكافل.
الحملة المدنية التي يدعمها إينون وأفراد آخرون تتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتوقعة في سبتمبر، حيث أعلن عدد من الدول الغربية عن نوايا للاعتراف بدولة فلسطينية، ومن المتوقع أن تشمل هذه الدول، بحسب تصورات وبيانات إعلامية ودبلوماسية، دولاً أوروبية عديدة قد تُعلن اعترافها بشكل متدرج، وسيشكل الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية تحوّلاً دبلوماسياً ذا أثر معنوي وسياسي، لكنه يواجه تحديات عملية تتعلق بحدود الدولة، والأمن المشترك، وآليات التنفيذ، وقرارات المؤسسات الإقليمية والدولية الخاصة بالسلام.
على مستوى الرأي العام داخل إسرائيل، يظهر استطلاع معهد بيو أن نسبة قليلة فقط ترى إمكانية تعايش سلمي بين دولة إسرائيل ودولة فلسطينية، ما يعكس عمق الشكوك والخوف لدى قطاعات واسعة من المجتمع ورغم ذلك، فإن حركات المواطنين والشبكات التي تجمع ضحايا من الطرفين تعكس وجود رغبة في بناء بدائل للغضب السياسي عبر اعتراف متبادل، وضمان حقوق، واستراتيجيات اقتصادية واجتماعية تعطي معاني ملموسة للأمن والسلام.